عودة السياحة الروسية إلى مصر بين الحقيقة والسراب

24 ألف روسي تحايلوا على حظر الطيران وزاروا المدن السياحية في النصف الأول من 2016


كتب- أكرم مدحت 

 

تصريحات كثيرة وتوقعات بل وتأكيدات أعلنت عنها بعض المصادر في القطاع السياحي المصري والروسي على عودة السياحة الروسية إلى مصر بقوة خلال شهر أكتوبر المقبل، وذلك بعد قرار رفع حظر الطيران إلى المطارات السياحية المصرية، والذي توقف 11 شهرا، فما هي الحقيقة ومتى يعود الروس؟.

 

سؤال يترقب القطاع السياحي المصري بأكمله إجابة محددة وقاطعة عليه، ولكن من صاحب القرار والمسئول عن إعلان عودة الطيران الروسي إلى مصر؟، وبتحليل تطور الأحداث حرص "ترافل يالا نيوز" على كشف الحقيقة، في ظل التصريحات الرنانة والتوقعات التي يرددها البعض، وتحمل في ظاهرها الصورة الإيجابية وفي باطنها السراب.

 

التصريحات الرنانة والتوقعات والسراب

أكتوبر المقبل.. كان التاريخ المؤكد لعودة الروس رغم أنه مجرد توقعات من قبل العاملين في القطاع السياحي المصري، سواء شركات أو أصحاب فنادق، وجاء نتيجة رحلات مكثفة للخبراء الروس لتفقد الإجراءات الأمنية في المطارات السياحية المصرية، بعد تطبيق معايير جديدة وتطوير المنظومة عقب حادث سقوط طائرة الركاب الروسية 31 أكتوبر الماضي.

 

وكان آخر وفد خبراء أمن روسي وصل القاهرة في الأسبوع الأول من سبتمبر الجاري، لبحث سبل استئناف الرحلات الجوية بين البلدين، وتضمنت زيارة مطار القاهرة الدولي ومطارات شرم الشيخ والغردقة، للوقوف على ما تم اتخاذه من خطوات وإجراءات هامة في الناحيتين الفنية والأمنية، ومن المفترض أن تقرير هذه اللجنة يحسم قرار السلطات الروسية بعودة الطيران إلى مصر، وكان النصف الأول من أغسطس الماضي قد شهد زيارة لجنة أخرى قامت بجولة في مدينتي شرم الشيخ والغردقة مرورا بالفنادق لتفقد الحالة الأمنية بها.

 

ولماذا أكتوبر بالذات؟ لأنه يمثل بداية التعاقدات لموسم السياحة الشتوي الذي يبدأ في نوفمبر حتى نهاية إبريل، وهو أقرب شهر بعد عودة الوفد الأمني الروسي الأخير، وبالتالي قرار رفع الحظر ينتظر الإعلان عنه بين لحظة وأخرى خلال الشهر المقبل، ليبدأ الروس في التوافد بكثافة مع حلول نوفمبر ذروة الحركة السياحية الروسية إلى مصر.

 

ومنذ بداية العام الجاري 2016 خرجت علينا تصريحات رنانة ليست حقيقية بعودة السياحة الروسية قريبا وتحديد مواعيد أولها كان إبريل ثم مايو، لنجدها سرابا، وأجريت اتصالات عديدة منذ 6 شهور ولقاءات بين الرئيسين السيسي وبوتين لبحث سبل استئناف الطيران إلى مصر، إلى جانب سفر وزير الطيران شريف فتحي على رأس وفد رسمي إلى روسيا منذ شهرين تقريبا، لبحث عودة الطيران وتحريك المياه الراكدة، ويترقب القطاع السياحي القرار بعد كل منها مباشرة وتنتشر التوقعات، ولكنها تتبخر، لأن الأيام تثبت العكس.

 

وكان وزير النقل الروسي مكسيم سوكولوف قد أعلن في وقت لاحق أنه حصل على إخطار رسمي من مصر حول توافق مطار القاهرة مع مطالب أمن الطيران، وعلى أساس ذلك، ستتوجه مجموعة من الخبراء إلى هناك في سبتمبر الجاري، للقيام بأعمال التدقيق، وهو ما تم بالفعل وننتظر النتائج.

 

وأفاد أن وزارة النقل الروسية تعول على تسوية مسألة الرحلات الجوية مع مصر قبل نهاية العام، ولكن يجب اختبار هذا الأمر عمليا.

 

وترجمت بعض وسائل الإعلام انتقال نشاط الخطوط الروسية "إيروفلوت" من مبنى الركاب رقم (1) بمطار القاهرة الدولي إلى مبنى (2) الجديد المقرر إفتتاحه قريبا، على أنه بداية لعودة تشغيل رحلاتها إلى القاهرة من موسكو، إلا أنه مجرد تحول عادي ووفقا لخطة من قبل شركة ميناء القاهرة الجوي بنقل نشاط 15 شركة طيران من المبنى القديم إلى الجديد.

 

وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن السلطات المختصة في روسيا ومصر ستعملان معا لزيادة مستوى الأمن في المطارات المصرية، وبعد الانتهاء من هذا العمل سيكون استئناف الرحلات الجوية ممكنا بين البلدين.

 

وهناك تقرير آخر يقول أنه لم يتم تنفيذ سوى 85% فقط من إجراءات تأمين المطارات السياحية التي طالبت بها الحكومة الروسية لاتخاذ قرار استئناف حركة الطيران إلى مصر.

 

 

وأفاد أحد المسئولين باتحاد شركات السياحة الروسية أن مؤشرات عودة الحركة إلى مصر قوية في ظل كثافة لجان التفتيش على المطارات وتأمين المدن السياحية، ولكن يصعب تحديد موعد استئناف حركة الطيران بدقة لأنه لم يصدر قرار حكومي رسمي حتى الآن، ولو عادت ستكون بنهاية العام الجاري 2016.

 

هل أمن المطارات هو السبب الحقيقي في توقف السياحة الروسية؟

سؤال أجابت عليه الحكومة الروسية بشكل غير مباشر حينما رفعت الحظر أغسطس الماضي، والذي فرضته على رحلات الطيران مع تركيا نهاية العام الماضي، رغم التوتر الأمني والسياسي الذي شهدته تركيا لعدة أشهر، بل وصل إلى تفجير انتحاري بمطار أتاتورك الدولي بأسطنبول أكبر المطارات التركية، إلا أنه في اليوم التالي أعلن الرئيس الروسية عودة حركة الطيران، بعد اعتذار نظيره التركي أردوغان يونيو الماضي عن حادث إسقاط سلاح الجو التركي قاذفة روسية فوق سوريا.

 

وأفادت هيئة الطيران المدني الروسية في وقت إن شركات الطيران سيلزمها نحو أسبوع لاستئناف رحلات الطيران بعد صدور التعليمات اللازمة.

 

وكل ذلك يؤكد أن هناك عدة أسباب تتحكم في صدور القرار، أبرزها المصالح السياسية والاقتصادية بين روسيا وتركيا، أما مصر فتنحصر في إطار الحركة السياحية التي سيكون المستفيد الأول منها الجانب المصري، أما الروسي يكون خاسرا بسبب تدهور اقتصاده وعملته الروبل أمام الدولار الأمريكي، وبالتالي عدد السائحين الضخم الوافد إلى مصر يمثل عبءا كبيرا عليه.

 

وهو ما جعل الحكومة الروسية تتجه بقوة لتنشيط السياحة الداخلية إلى مدن الجنوب في الشتاء، فضلا عن شبه جزيرة القرم التي انضمت منذ عامين إلى الحكم الروسي، وفي الصيف جذب دول أخرى عدد كبير من الروس بشكل ملحوظ مثل تونس، وتايلاند، وإسرائيل، إلى جانب تركيا وجهتهم الرئيسية في موسم الصيف.

 

انتخابات الدوما تسيطر على الساحة في روسيا؟

يسيطر على الوضع السياسي والشعبي حاليا في روسيا انتخابات مجلس الدوما، وهو السلطة التشريعية العليا في البلاد، ويلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية، والتي بدأت اليوم الأحد 18 سبتمبر، فهل يمكن أن يجتمع الكرملين مع الجهات الأمنية المعنية لاتخاذ قرار عودة الطيران إلى مصر في ظل هذه الأجواء؟!، خاصة أن حزب الأغلبية يقوده الرئيس بوتين ما يؤكد اهتمام جميع السلطات في الدولة بهذا الحدث الهام.

 

الحقيقة المرة

وفقا لجميع المؤشرات ودون تهويل أو تهوين، إن عودة السياحة الروسية إلى مصر لن تكون قبل نهاية عام 2016، وهو ما قد يهدد تعاقدات موسم الشتاء، وخاصة نوفمبر وأجازات الكريسماس ورأس السنة التي تمثل ذروة الروس في شرم الشيخ والغردقة، حتى لا يخرج علينا البعض بتحديد مواعيد من وحي الخيال، لأن ذلك لن يكون إلا بعد قرار حاسم وواضح برفع حظر الطيران بين مصر وروسيا.

 

وبشأن عودة الطيرن التركي إلى شرم الشيخ، وتوقع الجميع أنها ستكون المنفذ القوي للسائحين الروس، رغم أن الرحلة الأولى التي جاءت 11 سبتمبر الجاري لم تحمل على متنها سوى 34 سائحا روسيا فقط، وهو عدد ضئيل جدا، كما أنه طبيعي في ظل المعدلات الشهرية للسياحة الروسية في مصر بعد وقف الطيران التي تتراوح بين 4 و6 آلاف روسي، يأتون من خلال ترانزيت بدول أوروبية بها طيران مباشر إلى مصر سواء للقاهرة أو الغردقة وشرم الشيخ.

 

تطور حركة الروس في مصر خلال الأزمة وقبلها

ووفقا للإحصائيات السياحية التي ينفرد بها ترافل يالا نيوز"، كانت السياحة الروسية تحتل المركز الأول بلا منافس في الأسواق الوافدة إلى مصر، وتمثل نحو 32% من إجمالي أعداد السائحين الوافدين إلى مصر بحسب إحصائيات 2014 الذي يمثل الرقم القياسي للروس في مصر حيث بلغ 3.1 مليون سائح، متفوقا على عام الذروة 2010.

 

وتستحوذ كل من مدينتي موسكو وسان بيتربرج على 35% من الحركة السياحية الوافدة إلى مصر، رغم أن روسيا تتكون من 58 مدينة ما بين ولاية ومقاطعة.

 

وحقق الروس بنهاية عام 2015 توافد 2.4 مليون سائح روسي، بانخفاض 24% مقارنة بعام 2014، لتنخفض حصتهم إلى 26% من إجمالي السياحة الوافدة.

 

وحافظت روسيا على صدارتها السياحية في مصر رغم توقف الحركة الوافدة منها بعد قرار تعليق الطيران إلى مصر 7 نوفمبر الماضي، عقب حادث سقوط الطائرة، وسجلت لأول مرة في تاريخها تهاوي بنسبة 76%، بتوافد 75 ألف سائح روسي في نوفمبر.

 

ثم في ديسمبر بلغ عدد الوافدين الروس 6358 سائحا فقط بنسبة انخفاض 97% عن ديسمبر 2014، ليصبح رقما قياسيا في تاريخ السياحة الروسية في مصر، وكان آخر توافد قوي للروس في أكتوبر 2015 حيث حقق 256 ألف روسي.

 

ويعد كل من نوفمبر وديسمبر ذروة توافد الروس للانخفاض الشديد في درجات الحرارة في بلادهم ليبحثوا عن المناطق الدافئة قاصدين مدينتي شرم الشيخ والغردقة.

 

وخلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ عدد الروس الزائرين لمصر 24 ألف سائح، بانخفاض 98% عن نفس الفترة من عام 2015، التي شهدت توافد نحو 1.4 مليون سائح روسي، وقضوا 120 ألف ليلة سياحية بانخفاض 99%، مقابل 15.5 مليون ليلة في نفس الفترة من 2015.

 

جدول يوضح تطور السياحة الروسية الوافدة إلى مصر منذ عام الذروة 2010:

العام

عدد السائحين الروس

2010

2.855.723

2011

1.832.388

2012

2.518.275

2013

2.393.908

2014

3.138.958

2015

2.389.882

من يناير إلى يونيو 2016

24.158

 

 

الجدير بالذكر، أن أزمة توقف السياحة الروسية الوافدة إلى مصر تعود إلى حادث سقوط طائرة الركاب الروسية في منطقة الحسنة بوسط سيناء في 31 أكتوبر الماضي بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ بنحو 23 دقيقة فقط، وأسفر عن مصرع جميع ركاب الطائرة من السائحين الروس البالغين 217 شخص، وطاقمها المكون من 7 أفراد، ليقلب الموازين ويغير الأوضاع بالكامل.

 

وفي 7 نوفمبر قررت الحكومة الروسية تعليق حركة الطيران بالكامل مع مصر إلى إشعار آخر، وهو ما نتج عنه توقف تام للسياحة الوافدة من السوق الروسية إلى جميع المدن السياحية،وكانت الرحلات تأتي فقط بطائرات خالية لعودة السائحين الذين أنهوا برامج رحلاتهم دون إجلاء.

 

حملة تسويق قوية تترقب إشارة البدء

تعتزم هيئة تنشيط السياحة إطلاق حملة ترويجية في السوق الروسي، بمجرد رفع حظر السفر واستئناف حركة الطيران، والتي سوف تنطلق على مرحلتين بشكل مكثف، لاستعادة مكانة مصر وصورتها الذهنية لدى السائح الروسي.

 

في تصريحات خاصة لـ "ترافل يالا نيوز"، كشف محمد عبد الجبار رئيس قطاع السياحة الدولية، أن تكلفة الحملة تصل إلى 4 ملايين دولار، وسوف تركز على السياحة الشاطئية المقصد الأول للروس في مصر، وربطها بسياحة الآثار من خلال برامج رحلات مشتركة.

 

وتنفذ على مرحلتين، الأولى تتضمن إعلانات في التليفزيون لمدة 5 أسابيع، وفي الإعلام الرقمي "Digital Media" لمدة 6 شهور وهي الأطول نظرا لأن انتشارها أوسع وفعالة، وتكلفتها منخفضة مقارنة بالوسائل الأخرى، إلى جانب إعلانات الطرق "الأوت دورز" لمدة شهرين، لافتا إلى أن المرحلة الثانية ستكون بنفس خطة التقسيم والجدول الزمني للتنفيذ.

 

وأشار إلى أن السوق الروسي يتميز بالحجز في اللحظة الأخيرة للرحلات، وهو ما يجعل القطاع السياحي المصري متفائل ومترقب عودة قوية وكثيفة للسياحة الروسية في أقل من أسبوعين ليستعيد انتعاشه، بمجرد رفع حظر الطيران.